رياح التغيير في الجغرافيا الاسلامية

رياح التغيير في الجغرافيا الاسلامية

الثورات الشعبية:

في تونس؛ بعد أن انتشرت مشاهد انتحار الشاب المدعو محمد أبو عزيز عن طريق حرقه لنفسه من أجل الاحتجاج على البطالة والفقر والفساد، تحولت المسيرات المنتشرة على صعيد البلد لتصبح ثورة شعبية وبعد رفض قائد الجيش الفريق الأول راشد عمار إطلاق النار على المتظاهرين، ترك زينل عابدين بن علي الذي كان في الحكم لمدة 23 عام وهرب إلى السعودية. التزم رئيس الحكومة التي حلت من قبل بن علي، محمد غنوجي رئاسة الدولة بناءا على الدستور التونسي؛ وبقي كلمن وزير الدفاع والداخلية والخارجية والمالية للحكومة القديمة في مناصبهم وتم تأسيس "حكومة الوحدة الوطنية" بمشاركة قادة المعارضة ولكن مع استمرار الردود استقالة هذه الحكومة. وصرح رئيس الوزراء غنوجي أنه سيتم نقل المهام إلى الحكومة الجديدة بعد القيام بالانتخابات خلال ستة أشهر.

في مصر؛ بينما بدأت نار ميادين تونس بالانهماد، وبنفس الدوافع، وفي الأسبوع الثالث للحشود التي جمعت اعتبارا من تاريخ 24 يناير 2011 عن طريق الاتصال عبر مواقع مثل جوجل ويوتيوب وتويتر وانتخاب ميدان التحرير ليكون مكان الاجتماع، برئاسة قادة الإخوان المسلمين ورئيس الطاقة النووية الدولية صاحب جائزة نوبل برادعي وجميع المعارضة وحتى بمشاركة العديد من المؤسسات العامة، استقال رئيس الدولة الذي كان يرأس الدولة لمدة 30 عام حسني مبارك في 11 فبراير 2011. في البداية لم يرغب الجيش الذي وظفه مبارك ليفرق الحشد أن يتصادم مع الشعب، واستقال المساعد عمر سليمان موالي اسارئيل بناء على رغبة الشعب.

وفي النهاية استقرت الحكومة برئاسة أحمد شفيق، وجمع سلطات "المجلس العسكري العالي"، وتم فسخ البرلمان، وتم تعليق الدستور. وتم تصريح أن فترة انتقال المجلس العسكري الأعلى يحتاج إلى ستة أشهر القيام بانتخابات رئاسة الجمهورية والبرلمان خلال هذه الفترة. وتم ارسال جيش إلى ميدان التحرير ليقوم بتفرقة الحشد، ولكن الجماعات المعارضة لم تقبل أن تتفرق.

قفزت الثورات الشعبية التي أطاحت بدكتاتوري تونس ومصر إلى اليمن والأردن وسوريا والجزائر والسعودية ولكنها لم تكن فعالة كما كانت في تونس ومصر

الخصائص المشتركة للدول التي تركزت فيها الاحتجاجات:

ما يشغل الأذهان هو هل هذه الثورات تمت من قبل مبادرة الجماعات المعارضة الوطنية أنفسهم أم تم تنظيمها من قبل الولايات المتحدة والغرب، وهل ستستطسع الأنظمة التي تتاسست الحفاظ على استقلالهم؟ أما سيستمر الحال كما كان عليه مسبقا؟

ان الخصائص المشتركة للدول العربية التي حدث فيها الثورات الشعبية هي حكمهم بشكل دكتاتوري، البطالة، الفقر، الفساد الذي أخذ طبقة واسعة من الشعب تحت هيمنته. ووجودهم في وسط اجتماعي واقتصادي حيث الحرمان من الحرية، والذي يعمل فيه حتى موظفون الدولة من الدرجات الدنيا براتب لا يتعدى 100 -150 دولا، ويكون فيه الرشوة والتفضيل مصدر للرزق.

الأهداف المشتركة للقوى الخارقة:

ان الهدف المشترك للقوى الخارقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وروسيا واليابان والصين والهند التي تتصارع من أجل قيادة العالم هي الجغرافيا الإسلامية التي لديها خصائص كونها عذراء المصادر، وموضع استراتيجي والتطور الضئيل. لقد رضخت الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لحروبها في العراق وأفغانستان أنه لن يتم السيطرة على هذه الجغرافيا باستخدام القوة العسكرية (لقد قام إحتلال أفغانستان ببعثرة اتحاد الجمهورياتالاشتراكية السوفياتية، وأدت عمليات العراق وأفغانستان إلى أزمة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وفهمت أنه يمكن توفير السيطرة بواسطة الحكومات المحالفة. لذلك قامت بتطوير مشاريع ستقوم بإيصالهم إلى أهدافهم دون استخدام قوات مسلحة ودون معاداة شعب الدولة المستهدفة.

الهدف من مشروع الشرق الأوسط الكبير:

ان هدف " مبادرة الشرق الأوسط المتطور وشمال أفريقيا" وبإسمه الآخر "مشروع الشرق الأوسط الكبير" هي استراتيجية تحويلية "للجغرافيا السلامية" شاملة تحتوي الأبعاد السيياسية والقضائية والمعرفة / التعليمية والاقثصادية والاجتماعية والأمنية بالنسبة للدول الموجودة في الجغرافيا الممتدة من تونس وموريتانيا في الغرب ووسط آسيا ومنغوليافي الشرق، والقفقاص وتركيا في الشمال، ومن العالم العربي لغاية الصومال في الجنوب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتهدف إلى تغييرات طويلة الأمد في هذه المناطق.

يمكن أن يتم الإفادة عن الهدف الذي تم تصريحه للدول الأعضاء فيما يتعلق بمشروع الشرق الأوسط الكبير بشكل ملخص كالتالي: " اضفاء الطابع الديمقراطي وجلب الاستقرار الإقتصادي والسياسي لدول المنطقة".

ما زالت الدول الإسلامية الحائزة على مواقع جغرافية استراتيجية تحكم بأنظمة استبدادية كانت تطبق في الفترة ما بين الحرب العالميتين الأولى والثانية لدى الدول الغربية التي تصنف بالتطور اليوم.

أما أطفال نخبة هذه الأمم، يقومون بإنهاء تعليمهم في الدول التي يسودها امكانيات الحرية الواسعة والإقتصاد العالي المقصم بطريقة عادلة.

يجب أن لا نفكر بوضع طبيعي أكثر من أن تقوم الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي بتخطيط المباشر لهذا التغيير وذلك من أجل أن لا يخسروا السيطرة بسبب ادراكهم بأن الأنظمة المستبدة في دول الشرق الأوسط ستتغير عاجلا أم آجلا.

ويجب قبول مشروع الشرق الأوسط الكبير كنتيجة طبيعية لهذه الفكرة.

ما هي مصلحة الأمة الإسلامية؟

عندما نفكر في الأهداف المشتركة للقوى العظمى، و مشروع الشرق الأوسط الكبير وفي ضوء هؤلاء المظاهرات والثورات الشعبية التي تمت في جميع الجغرافيا الإسلامية مع تونس ومصر، تكتسب الثقل الأكبر احتمالية أنه تم التخطيط المشترك لهذه العمليات من قبل الادارات الاستبدادية والتي هي جنبا إلى جنب مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. إذا كان الوضع هكذا فهذا يعني أن هنالك دول أخرى سيقع عليها الدور.

من المعروف أنه بينما تقوم القوى الخارجية بدعم السلطة بشكل علني تقوم بدعم المعارضة غير المشروعة باطنيا؛ وبينما تقوم بزيادة الدعم للتي تشكل الفائدة طويلة الأمد تقوم بقطع الدعم من التي لا تستفيد منها وهي عبارة عن حقيقة معروفة بالرغم من أنها قديمة إلا أنها استراتيية سياسية ما زالت تستخدم بكثرة.

لم يتم تفعيل الوحدات العسكرية قبل انهيار القادة المستبدين ضد الحركات الشعبية في تونس ومصر، ولكن لبست ثوب منقذ الشعب بعد الانهيار. تؤدي هذه التطبيقات إلى جلب شكوك تأسيس الادارة الجديدة في البلاد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والقادة المخلوعين والقوات المسلحة المسيطرة على الوضع بشطل مشترك.

ومن جانب آخر، يجب ان نحسب امكانية رمي الدكتاتوريين الموجودين في الجغرافيا الإسلامية من قبل مستخدميهم مباشرة وذلك بعد أن يتم استخدامهم كما حدث مع رجل أمريكا الصادق رئيس دولة العراق المخلوع صدام حسين الذي دفع للحرب مع إيران وأصبح في الأعوام 1990 قائد دولته ومنطقته، وبعدها تم القضاء على حياته من قبل مستخدميه مباشرة.

والمهم الآن أين تقع الجماعات المعارضة التي تنظم الثورات في هذه اللعبة؟ وهل يتم استخدامهم؟ أم أن لا علم لديهم؟

يجب أيضا على تركيا التي بدأت أن تصبح مصدر أمل كبير لأمة الإسلامية، أن تساهم في الإصلاح السياسي للدول الإسلامية مع الوفود المختصة عن طريق معلوماتها بالنظر إلى الجوانب المفيدة والمكروهة لنظامنا في إعادة أنشاء مستقبل الأمم المظلومة لكي لاتصبح طعاما في مائدة الذئاب. كما يمكن لحكومتنا أن تأخذ الموضوع كمشروع، يمكن أن يتم إيجاد حلول مناسبة لهذه الدول عن طريق تشغيل منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعاتنا ومراكز البحث والدوائر العلمية على أنها مختبرات وعن طريق إنشاء مؤسسات لتقصي الأنظمة السياسية.

يجب أن لا يتم ادخال القوات المسلحة للدول الإسلامية مثل تونس ومصر، عن طريق تعبئة فراغات السلطة التي ستنشأ من قبلهم. يجب أن تكون الوظيفة العسكرية هي حماية الدولة ضد التهديدات التي ستأتي من خارج الحدود. يجب على الجيش أن لا يغير وضعه تجاه الخارج حتى إن حدث في الداخل مناقشات حادة، وتكوين جبهات وحتى نزاعات مسلحة. يجب أن لا يتدخل بالسياسة الداخلية وبالأمن الداخلي. ان تدخل الجيش لوهلة في السياسة فلن يستطيع الجيش يجرد نفسه من ذلك ولا يمكن للشعب النجاة من الجيش.

يقع على عاتق الجماعات المعارضة التي قادت الثورات الشعبية دور كبير. يجب أن لا يختلفو في المواضيع الأساسية. يجب أن يبدأوا بالصراع على السلطة قبل تأسيس النظام. يجب أن لا يتعاونوا مع القوات الخارجية من أجل مصالحهم السياسية. وبصريح العبارة يجب أن لايسمحوا بأن يتم إستخدامهم.

يصعب هدم جزء من الشعب. وحتى لو أن الذي هدم هو ديكتاتورية فإن الأصعب هو تأسيس نظام جديد مكانه وتشغيل هذا النظام ان مشاكل البلد ليست مشاكل بسيطة يمكن حلها بسرعة. يمكن أن تحل المشاكل الاجتماعية – الثقافية، الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والتعليمية والبنية التحتية، زيادة مستوى الدخل وتعديل توزيعه، عند اتخاذ الدول المتقدمة المعاصرة كهدف، خلال خمسين عام كحد أدنى. يحتاج أيضا تأسيس أنظمة برلمان ديمقراطي يعتمد على سيادة العدل والقضاء، وإخراج الدولة من الفوضى وعدم الاستقرار يحتاج أيضا إلى فترة زمنية مقاربة لذلك أيضا. تقوم التأخيرات التي تتم في حل البطالة والفقر والفساد إلى زيادة الاضطرابات. وتولد الاضطرابات الاحتجاجات. وتكون الاحتجاجات خميرة الفوضى وعدم الاستقرار.

لذلك لا تعرف مصر وتونس والدول التي ستتبعهم أن الفوضى وعدم الاستقرار هما اللذان ينتظران.

لو أن القادة التي لم تصل رياح الثورة إلي دولها يستطيعون بدء مرحلة التسوية دون أن ينتظروا هذه الرياح يجب أن يتصرفوا بوعي أن الاضطرابات ستكون أقل.

إذا كانت القوى الخارجية والولايات المتحدة الأمريكية تدعم التغيير في الدول الإسلامي، فيكون ذلك لأنهم يعتقدون أنهم قادرون على توجيه إمكانيات هذه الدول بسهولة تجاه منافعهم الشخصية خلال فترة التذبذب التي تستمر لمدة 40 – 50 عام لغاية أن تصبح هذه الدول قادرة الوقوف على أقدامها. يجب على الدول التي تستطيع أن تكون بقيادة قادة واعين قادرين على استيعاب هذا الوضع، أن تبذل جهدها من أجل الوحدة الإسلامية بعد أن تؤمن الوحدة داخل أنفسها.

عدنان تانريفاردي

اللواء المتقاعد

من أجل الحصول على المعلومات المتعلقة باحتياجاتكم وتنوير حول خدماتنا يمكنكم التواصل معنا...

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 

.للحصول على المزيد من المعلومات حول منتجاتنا وخدماتنا الرجاء النقر على الأيقونة

Whatsapp Contact Line


Stay informed about our services!


Click to subscribe our newsletter